نسخة تجريبية

منتدى: المجتمع المدني العلمي بالمغرب الهوية والتنظيم والآفاق


في إطار عملها الدؤوب على دعم وتطوير آليات البحث العلمي الاجتماعي بالمغرب، وربط سبل تبادل الخبرات مع مراكز الأبحاث في العلوم الاجتماعية، نظمت مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية صباح يوم الجمعة 17 ماي الجاري بفندق كومبانيل بالدار البيضاء اللقاء الثالث من سلسلة اللقاءات التفاعلية مع المراكز البحثية في العلوم الاجتماعية، تحت عنوان:" المجتمع المدني العلمي بالمغرب الهوية والتنظيم والآفاق.".

شارك في هذا المنتدى كل من الأستاذ مصطفى المناصفي باحث مشارك بمركز "جاك بريك" وبمعهد الدراسات حول العالم العربي والإسلامي، والأستاذة رقية أشمال عضوة المكتب التنفيذي للمرصد المغربي للمشاركة السياسية، والأستاذ عبد الرحمان الزكريتي ممثل لمركز هارت، والأستاذة نجاة النرسي عن المركز المغربي للدراسات والأبحاث الجندرية، والأستاذ عبد الهادي الحلحولي رئيس مركز أطلس للأبحاث والدراسات الاجتماعية ورئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، والأستاذة سعاد الطاوسي مديرة عامة لمؤسسة الطاهر السبتي وخبيرة في قضايا الطفولة والمرأة بالمغرب، والأستاذ عزيز مشواط مدير مؤسسة منصات للدراسات والأبحاث الاجتماعية، كما شارك عبر مداخلة مصورة الأستاذ سعد الدين إكمان مدير المعهد متعدد التخصصات للعلوم الاجتماعية بفاس، وسير هذا اللقاء الدكتور عالي أوتشرفت خريج برنامج جيل في نسخته الثالثة، بحضور ثلة من الأساتذة الباحثين، وشخصيات من رواد المجتمع المدني المغربي، بالإضافة إلى المهتمين بهذا الموضوع.

عزيز مشواط: توطين العلم والمعرفة كخطوة أساسية في تطوير المراكز البحثية.

أكد الأستاذ عزيز مشواط في معرض مداخلته على أهمية مراكز البحث في المغرب كجزء هام من مشهد البحث العلمي،  وأنها تساهم في الدفع نحو مجتمع عقلاني يعلي من قيمة العلم والمعرفة، رغم ما يواجهها من معيقات وتحديات تحول دون أن تفرض نفسها كفاعل علمي يمكن أن يؤثر على اتجاهات البحث والقرار. وفيما يخص هذه التحديات يقول الدكتور عزيز بأنها تتعلق أساسا بالمشاكل التنظيمية والمتمثلة في قلة التمويل، عدم الاستدامة، ضعف الإنتاجية، النقص في الحكامة الداخلية وعدم استقرار الموارد البشرية، بالإضافة إلى مشاكل الهوية التشريعية والقانونية.

 ومن أجل تعزيز دورها في إنتاج المعرفة العلمية وتجاوز حاجز الصراع من أجل البقاء، يرى المتحدث ضرورة عمل هذه المراكز على كسر الهوة بين الأكاديمي من جهة، وصانع القرار والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والرأي العام من جهة أخرى، إضافة إلى العمل المتكامل مع الجامعات عبر الوفاء بالقيام بالبحث الأكاديمي المعمق، وتحويل هذه البحوث الأساسية إلى أرضيات صالحة للنقاش العمومي.

 وفي ختام مداخلته أكد الأستاذ عزيز مشواط على ضرورة مأسسة هذه المراكز، إضافة إلى وجود هوية تشريعية وإطار قانوني يسهم في فهم البيئة الخارجية والداخلية التي تشتغل فيها، والتي تشكل أساس وضع البدائل والاستراتيجيات التي تطورها.

رقية أشمال: هوية المراكز البحثية العلمية في المغرب: السمات، البنية التنظيمية، وتجويد الأداء.

وفي سياق متصل، سلطت الأستاذة رقية أشمال الضوء على النقص الكبير في الدراسات الرسمية حول المؤسسات البحثية في المغرب، كما أشارت إلى النقلة النوعية التي عرفتها هذه المؤسسات بعد إنشاء المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2003، وبعد دستور 2011.

 وأضافت قائلة بأن المؤسسات البحثية التي توجد في قلب الجامعات، هي غالباً ما تنشأ كأوعية قانونية لدعم المجموعات البحثية، أي من أجل الصيغة القانونية فقط، أما على مستوى وظائفها، تتابع المتحدثة قولها بأن هذه المؤسسات تُستخدم كبيوت خبرة لإنتاج المعرفة والبحث العلمي، وكأدوات للترافع والضغط لتحقيق تغييرات مجتمعية. كما أكدت المتحدثة على أن اعتماد هذه الأبحاث في كثير من الأحيان على التمويل والموارد البشرية المتاحة، هو سبب التفاوت الحاصل بين وتيرة الإنتاج العلمي ونوعية أنشطة هذه المؤسسات. وفي ختام مداخلتها، أكدت المتحدثة على دور الترافع والتفاوض المتعلقين أساسا بالمسائل التشريعية والتنظيمية، ودور التنسيق والتشبيك واللذان يتجهان نحو العمل على تعزيز التعاون وتبادل التجارب بين مختلف المؤسسات العلمية، وأخيرا التواصل والانفتاح على المواقع والمنصات الإلكترونية في تحسين تموقع هذه المراكز على المستوى العالمي.  

مصطفى المناصفي:  المجتمع المدني العلمي بالمغرب بين إنتاج المعرفة وتدبير المشاريع التنموية.

ومن جهته عالج الأستاذ المناصفي التحديات والآفاق التي تواجه مراكز الأبحاث المدنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أكد على أن تراجع دور الجامعات في توفير المعرفة الأكاديمية هو الذي أفسح المجال أمام مراكز الأبحاث المدنية لتلبية الاحتياجات التي لا تستطيع الدول تلبيتها، بما في ذلك البحث العلمي. وخلال مداخلته تساءل المتحدث عن مدى استقلالية هذه المؤسسات في ظل التوجهات والسياسات التي تفرضها الجهات الدولية المانحة، حيث أن هذا التمويل الدولي المعتمد من طرف مراكز الأبحاث يخلق نوعا من التحدي الذي يحول دور هذه المراكز من إنتاج المعرفة إلى إدارة المشاريع التنموية. وفي ختام مداخلته، أكد الأستاذ المناصفي على ضرورة بناء هيكل مؤسساتي مزدوج يتضمن قطبين، الأول يختص بجانب المشاريع والثاني للأبحاث، بحيث يعملان معا على الموازنة بين إنتاج المعرفة وإدارة المشاريع التنموية عبر تمويل بعضهم البعض بالجانب المادي وبجانب المعطيات العلمية.

عبد الرحمان الزكريتي: تأسيس مركز هارت: التحديات والآفاق التنموية.

وعن تجربته في تأسيس مركز هارت، يقول الأستاذ الزكريتي بأن فكرة المركز وجدت لبناء مشروع مشترك يسعى للتحرر من البيروقراطية الأكاديمية والانفتاح الفعلي على المحيط السوسيو-اقتصادي، هدفه الأساسي تقديم المعرفة العلمية السوسيولوجية ومواكبة تطورات هذا المجال للمساهمة في التنمية المحلية، من خلال تشبيك الجهود مع الجامعة باعتبارها شريكا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا في المنطقة. وقد واجه تأسيس المركز حسب الأستاذ الزكريتي عدة تحديات همت أساسا تحديد هويته، أهدافه، ورسالته، خاصة وأن المركز كان نتاج عمل تطوعي يمكن اعتباره سلاحا ذو حدين، لقدرته على التحكم في مستوى المشاركة بناءً على توفر الوقت والجهد. وخلال مداخلته أكد المتحدث على التزام مركز هارت بالقيم العلمية والتنموية والانفتاح على مختلف الشركاء رغم اختلاف هوياتهم، وذلك من خلال تركيز اهتمامه على موضوعات شملت قضايا الشباب والهجرة. وبالرغم من النمو البطيء الذي يعرفه المركز إلا أنه وحسب المتحدث يستفيد من تجارب عالمية ومحلية تعزز فهمه العلمي وانخراطه الفعال في التنمية. وفي ختام مداخلته أكد الأستاذ الزكريتي على أنه وإضافة إلى التحدي المادي واللوجيستي يواجه مركز هارت معيقات في بناء المشروع، إلا أن هذه التحديات لم تمنع تنظيم المركز لندوات سنوية في مسعى لتعزيز  شراكاته وتحقيق أهدافه التنموية.

سعاد الطاوسي: سبل تعزيز الشراكة بين جمعيات المجتمع المدني والمراكز البحثية.

 شددت الأستاذة سعاد الطاوسي في كلمتها على أهمية التعاون بين المراكز البحثية وجمعيات المجتمع المدني، واعتبرته أمرا أساسيا لتحقيق فهم شامل للقضايا الاجتماعية، حيث أنه لا يمكن لجمعيات المجتمع المدني، حسب الأستاذة الطاوسي، أن تنجح ميدانيًا دون تأطير علمي من طرف المراكز البحثية التي توفر الأسس العلمية للمرافعة. وخلال مداخلتها سلطت المتحدثة الضوء على ضرورة وجود توازن بين أهداف ورؤى جمعيات المجتمع المدني ومراكز البحث لتحقيق تعاون مثمر. كما أثارت النقاش حول التحديات التي تواجه هذا التعاون، مثل نقص التمويل، وعدم توافق الأجندات الخاصة بالطرفين، ونقص الموارد البشرية بالإضافة إلى تحدي الإطار القانوني، وجودة المعطيات التي يجمعها الباحثون والتي من شأنها التأثير على صانع القرار. وهناك أيضا التحديات الثقافية والمؤسساتية والتي تؤدي إلى نقص في التواصل والتفاهم بين الطرفين، وأخيرا تعويض الهدف الرئيسي من هذه الشراكة إلى أهداف خاصة يطمح كل طرف إلى تحقيقها. وفي ختام مداخلتها قدمت المديرة العامة لمؤسسة الطاهر السبتي بعض السبل لتجاوز هذه التحديات والتي لخصتها في أولا ضرورة تقوية التواصل والتفاهم لفهم الاحتياجات والتحديات المتبادلة بين الجمعيات والمراكز البحثية، وتعزيز جودة المعطيات من خلال التعاون بين الجمعيات والمراكز البحثية، وأخيرا تبني وتطوير نهج تشاركي بين الطرفين لتعزيز تأثيرهم على السياسات والتدابير وبالتالي على صناع القرار.

نجاة النرسي: المراكز البحثية ودورها في تحويل الخبرة إلى معرفة.

ومن خلال تجربتها في تأسيس مركز الأبحاث النسائية والجندرية، تقول الأستاذة نجاة النرسي بأن هذه المغامرة قد بدأت من خلال تأسيس برنامج ماستر تحت عنوان "النوع، الجندر، الخطاب والتمثلات." هذا الورش الذي تم السعي من خلاله إلى نشر المعرفة وتمكين الطالب من إنتاجها، في ظل شح الموارد والطبيعة البيروقراطية للمختبرات والمراكز البحثية في الجامعات. وفي ذات السياق، أكدت المتحدثة بأن المركز تأسس بهدف دعم البحث الأكاديمي في محاولة للجمع بين مختلف مجالات العلوم الإنسانية، ثم بهدف نشر المعرفة حول الجندر ومحاولة تغيير النظرة السائدة حول التراتبية بين الجنسين، في ظل مجتمع يعرف نوعا من المد والجزر بين المشاريع المحافظة والمشاريع التقدمية، وفي ظل سيطرة الخطاب الديني على هذه التراتبية. كما ناقشت المتحدثة من خلال تجربتها التجارب والإصدارات العلمية والورشات والندوات الوطنية والدولية وكذلك الشراكات التي أبرمها المركز رغم صعوبة الحصول على التمويلات المادية، هذه الإنتاجات التي ترمي حسب المتحدثة إلى نشر ثقافة إنتاج المفاهيم حول الواقع المغربي عن طريق تحويل الخبرة إلى معرفة. وفي ختام مداخلتها شددت المتحدثة على مدى أهمية إنتاج معرفة منبعها الواقع المغربي، لما لهذه المعرفة من إسهام في نجاح مشروع مجتمعي أكثر مساواة.

عبد الهادي الحلحولي: المراكز البحثية في العلوم الاجتماعية ودورها في تعزيز البحث العلمي.

تطرق الأستاذ الحلحولي في مداخلته إلى تجربته الأكاديمية والبحثية في تأسيس مركز أطلس للدراسات والأبحاث الاجتماعية، مسلطا الضوء على أهمية هذا المركز في تعزيز البحث العلمي وفي التعامل مع القضايا المجتمعية مثل الجندر، الطفولة، الهوية... بالإضافة إلى أهميته في تقديم معرفة علمية يمكن استخدامها للترافع وتحقيق التغيير الإيجابي. كما أكد في كلمته على ضرورة التعاون بين النسيج الجمعوي ومراكز البحث العلمي لتحويل المعرفة الخام إلى معرفة علمية منظمة. وفي السياق ذاته، تناول الأستاذ مسألة الحرية والاستقلالية في إنجاز هذه المراكز البحثية لأبحاثها بحرية وبعيداً عن الأيديولوجيات السابقة. كما شدد على ضرورة الوعي بالأحداث غير المتوقعة والتي قد تنجم عن أنشطة هذه المراكز والتي تستدعي، حسب المتحدث، أولا الحذر والشفافية في وتوظيف الإحصائيات والمعطيات الرقمية، ثم تقوية قدرات هذه المراكز في إدارة المشاريع والتشبيك الوطني والدولي. واختتم الأستاذ الحلحولي مداخلته باقتراحه تبني مصطلح "مراكز التفكير" بدلاً من "المجتمع المدني العلمي"، مشددا على وجود مراسيم تنظيمية لتنظيم عمل هذه المراكز بدلاً من تغيير القوانين القائمة.

سعد الدين إكمان: المراكز البحثية :  المراكز البحثية في العلوم الاجتماعية: نحو آفاق جديدة وتعاون مؤسسي فعال.

وعبر مداخلة مصورة، وعن تجربته كرئيس للمعهد متعدد التخصصات للعلوم الاجتماعية، أكد الأستاذ سعد الدين إكمان على أن مراكز البحث الخاصة تعاني من أزمة هوية، فشكل الجمعيات الذي تتخذه حاليا ليس ملائما على الإطلاق، بل ويخلق عدة تعقيدات قانونية وإدارية وضريبية. ولتجاوز هذه التعقيدات البيروقراطية يقول الأستاذ إكمان بأنه من اللازم وضع إطار قانوني جديد يعترف بمراكز الأبحاث كمقاولات اجتماعية، ويسمح لها بالعمل بمرونة أكثر. هذه المرونة التي تبرز  كسمة إيجابية تساعد في سرعة اتخاذ القرارات والتكيف مع التغيرات، في ظل ما تعرفه المراكز البحثية من غياب المهننة وصعوبة التخطيط الاستراتيجي وتأمين الموارد المالية والبشرية. لذلك وحسب الأستاذ إكمان وجب توظيف أشخاص مؤهلين لتنفيذ المهام اللازمة بدلاً من الاعتماد الكامل على العمل التطوعي. ومن حيث الآفاق يرى المتحدث بأن هناك إمكانيات واعدة للتطوير من خلال التشبيك بين المراكز البحثية والمختبرات والقطاع الخاص والجامعات، فالتعاون مع الجامعات والمؤسسات يمكن أن يعزز البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، كما أنه يتيح فرصة تبادل المعرفة والخبرات. وفي ختام مداخلته، أكد الأستاذ إكمان على ضرورة توفير بيئة ملائمة للعمل البحثي والتعاون المؤسسي لتحقيق النجاح، بالإضافة إلى أهمية تشجيع الباحثين على إنشاء تكتلات وجمعيات، باعتبار أن هذا الأمر يمكن أن يشكل حافزا للرفع من جودة البحث العلمي وتعزيز الابتكار والاكتشاف العلمي.

والجدير بالذكر أن مؤسسة منصات لأبحاث والدراسات الاجتماعية هي مؤسسة بحثية ومنظمة غير ربحية، تشتغل كفضاء علمي مفتوح لتوفير مساحة بحثية وتقديم الدراسات وتنشيط نقاشات عمومية، وتسعى المؤسسة إلى مد جسور التواصل بين الفاعل الاكاديمي والفاعل المدني، كما تهدف إلى تطوير الأبحاث السوسيولوجية، والقيام بالبحوث الميدانية المعمقة الهادفة إلى تنمية أفكار ريادية، وتطبيق المقاربات المختلفة بخصوص الإشكاليات الاجتماعية سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو الإقليمي، وتقديمها لصناع القرار والاكاديميين وقادة الرأي وممثلي المجتمع المدني وجميع المهتمين.