نسخة تجريبية

في لقاء إعدادي للإعلان عن نتائج بحثها الميداني باحثون وإعلاميون ورواد مدنيون يناقشون حرية النساء في الفضاء العام


استعداداً للإعلان عن نتائج بحثها الميداني حول "النساء، الفضاء العام، والحريات الفردية"، نظمت مؤسسة منصات للدراسات والأبحاث الاجتماعية النسخة الثالثة من سلسلة لقاءاتها التفاعلية. عُقد هذا اللقاء الذي حمل عنوان: "النساء، الفضاء العام، والحريات الفردية: بين المكتسبات والتحديات" بمدينة الدار البيضاء، مساء يوم الجمعة 26 يوليوز 2024. واستضافت هذه الفعالية الأنثروبولوجي والباحث في علم الاجتماع شكيب جسوس، وساهم في إثراء النقاش كل من الحقوقية تورية العومري، ورئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية "الناس" صلاح الدين لمعيزي. وأدار الفعالية الباحث الرئيسي بمؤسسة منصات السوسيولوجي عبد الرحمن الزكريتي، بحضور عدد من الفعاليات المدنية، والحقوقية، والجمعوية والصحفية.


عبد الرحمن الزكريتي: أهمية البحث الميداني العلمي في تأطير العوامل الثقافية والاجتماعية

في معرض مداخلته، استعرض الباحث الرئيسي بمؤسسة منصات عبد الرحمن الزكريتي قراءة في المحاور الكبرى للنتائج الأولية للبحث الميداني الكمي الوطني الذي أجرته منصات ضمن برنامج جيل "فاطمة المرنيسي"، والذي شمل عينة مكونة من 1528 مواطنا ومواطنة مغربية على حد سواء.

وقد شدد الأستاذ الزكريتي على أهمية هذا البحث  الذي يهم تأطير العوامل الثقافية والاجتماعية التي تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الرؤى والمواقف تجاه حريات النساء في الفضاء العام. كما سلط الضوء على التباين في قبول المرأة في الفضاءات العامة من خلال مناقشته لتمثلات العينة المبحوثة حول مواضيع تمس حرية جسد المرأة وشعورها بالأمان في هذه الفضاءات، بالإضافة إلى بعض القضايا المتعلقة بالتحرش والمثلية، والتي تظل موضوعات حساسة في المجتمع المغربي... .

كما أشار الزكريتي إلى أن البحث يتناول أيضاً القضايا الثقافية والاجتماعية والقانونية المتعلقة بحرية النساء، مع التركيز على مدى تأثير القوانين والثقافة المحلية على ممارساتهن في الفضائين الخاص والعام. الأمر الذي يعكس حسب هذه النتائج، تنوع التوجهات المتباينة بين قبول ورفض لحرية المرأة وممارسة حقها في ولوج واستغلال الفضاء العام إسوة بالرجل.


شكيب جسوس: " المرأة المغربية: بين الأمس واليوم."

وفي سياق متصل، أكد الأنثربولوجي شكيب جسوس على الدور المركزي الذي يلعبه الفضاء العام في المجتمعات البشرية منذ أولى المستوطنات المستقرة وحتى اليوم. مشددا على أهمية هذا الفضاء المفتوح في إتاحة المجال أمام حرية التعبير، والتجمع والتظاهر لممارسة المواطنة المشكلة لأسس الديمقراطية.

ورغم التقدم الكبير الذي تحقق منذ القرن التاسع عشر وإلى حدود أوائل القرن العشرين، خاصة بفضل تعليم الفتيات وزيادة مشاركتهن في عالم العمل، إلا أنه، وحسب المتحدث، فقد كان وصول النساء إلى هذا الفضاء محدودًا للغاية ومشروطا بحضور الذكور.

وحسب ذات المتدخل، فبالرغم من أن النساء أصبحن اليوم أكثر حضورًا في الفضاء العام، إلا أنهن يواجهن مخاطر متعددة، بما في ذلك التحرش والاعتداءات الجسدية والجنسية وعدم الشعور بالأمان. مما يسائل مدى فعالية القوانين والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب بخصوص حقوق الإنسان المنصبة تجاه ضمان الولوج الحر والآمن للنساء للفضاء العام تحقيقا للمساواة بين الجنسين.


تورية العومري: " تعزيز الولوج الآمن للفضاءات العامة ضرورة ملحة لمكافحة التمييز الممنهج ضد النساء"

ومن جهتها، أكدت تورية العومري على أن النساء لازلن يعانين من تمييز ممنهج على المستوى الاجتماعي. هذا التمييز الذي يظهر جليا، حسب المتحدثة، في البطء الكبير في إدماج النساء في الفضاء العام، وفي تخصيص المساحات والمرافق الملائمة لهن، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية والثقافية التي تقيد حريتهن.

وعلى الرغم من اقتحام المرأة للعديد من الفضاءات التي كانت حكرا على الرجال كالفضاء السياسي، إلا أنه وحسب العومري، لا يمكن الحديث عن حرية مضمونة في ظل عدم وجود أية إجراءات أمنية ضامنة لتواجد النساء في هذه الفضاءات، وفي ظل الضغط النفسي والثقل الذهني الذي تعانين منه عند محاولتهن ولوج الفضاء العام، واللذان يؤثران سلبا على حريتهن في اللباس والتحرك.

لذلك، شددت المتحدثة على ضرورة خلق فضاءات آمنة للنساء عبر إعادة التفكير في تصميم المدن، واتخاذ تدابير أمنية ملائمة تضمن ولوج النساء إلى الفضاءات العامة بكل أمان. هذا المطلب الذي اعتبرته المتحدثة ملحا، خصوصا في ظل الإحصاءات التي صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019 والتي أكدت على أن 12,6% من النساء يتعرضن للإيذاء، مما يعكس واقع الفضاء العام الذي لم يتغير فيما يتعلق بظاهرة التحرش.

وفي ختام مداخلتها، أكدت المتحدثة على أن القدرة على الولوج إلى الفضاء العام والمشاركة فيه تُعتبر نقطة مفصلية في التمييز بين الرجال والنساء، وأن السلطات هي التي يمكنها أن تحقق الولوج الآمن للنساء إلى الفضاء العام سواء في المدن أو القرى.


صلاح الدين لمعيزي: " تحديات حضور النساء في الفضاء العام المغربي: من الشرعية إلى العدالة الاجتماعية"

ومن خلال تجربته الصحفية، قدم صلاح الدين لمعيزي ثلاث نقاط اعتبرها رئيسية فيما يخص حضور النساء في الفضاء العام المغربي، وهي أولا، "شرعية مناولة قضايا النساء من قبل الرجال في إطارمن التفكير النقدي"، والتي طرح من خلالها التساؤل حول مدى شرعية الرجال في مناقشة قضايا النوع الاجتماعي، مؤكدا في ذات الوقت على ضرورة الإقرار بمساهمات النسويات المغربيات اللاتي تناضلن ضد رؤية كولونيالية لتحرير النساء.

ثانيا "النوع الاجتماعي، العدالة الاجتماعية، والفضاء العام"، والتي استعرض فيها مكانة النساء في الفضاء العام، باعتبار أن هذا التواجد مظهر من مظاهر العدالة الاجتماعية، التي تمكن النساء من المطالبة بحقوقهن ومكانتهن، سواء من خلال التظاهرات أو في سوق العمل. ومع ذلك، يرى المتدخل بأن، تعرض النساء للعنف البنيوي غالبًا ما يؤدي بهن إلى الانسحاب من هذه الفضاءات.

واختتم مداخلته بطرحه لموضوع "مدونة الأسرة والفضاء العام الإعلامي: الاستقطاب، التضليل، والامتثالية"، والتي أكد من خلالها على ضرورة فحص كيفية تمثل النساء" العاملات، واللاجئات..." في الفضاءات الاعلامية وتعزيزها لتصبح أكثر توازنًا وشمولية، في ظل غياب كبير للنساء عن النقاشات العامة.


للتذكير فإن هذا اللقاء يأتي في إطار استعداد مؤسسة منصات للإعلان عن نتائج بحثها الميداني الكمي حول: "النساء، الفضاء العام والحريات الفردية." والمندرج ضمن برنامج جيل "فاطمة المرنيسي". يهدف هذا البرنامج إلى تكوين وتأهيل عدد من الباحثين الشباب في مجال العلوم الإنسانية، من أجل تعزيز قدراتهم البحثية عبر تنظيم ورشات ودورات تكوينية مؤطرة من طرف أفضل المختصين والخبراء في المجال، لحثهم على مد الجسور ونسج روابط مع مختلف فعاليات المجتمع المدني.