"لا
يمكن للكائن أن يكون شخصا إلا إذا بدأ يشعر بالحاجة للتحرر"، تلك كانت
المقولة التي تمحورت حولها مداخلة المفكر والباحث محمد تمالدو، في اللقاء الذي
نظمته منصات حول: "الفرد، المجتمع والقانون: أي توازن للحقوق
والواجبات"، وقد عقدت فعاليات هذا اللقاء يوم السبت 09 نونبر 2024، بفندق
نوفوطيل بالمحمدية، وأدار أشغال هذه الندوة الاقتصادي والفاعل الجمعوي أيمن
الشراكي، بحضور مجموعة من الفعاليات المدنية والأكاديمية.
في مستهل مداخلته قارب المفكر محمد تمالدو مفهوم الفرد، انطلاقا من السياق
التاريخي والاجتماعي في المغرب والذي ارتبط فيه مفهوم الفرد ب"الزوفري"،
فهو كان يعتبر فردا ذو قيمة أدنى، لاسيما أنه كان قادما من الضواحي ومن القرى
البعيدة، ليشتغل في المعامل، وعلى خلاف ذلك كان للفلاح قيمة كبيرة في المجتمع
المغربي.
من زاوية أخرى، تطرق محمد تمالدو إلى الفرد انطلاقا من نظرية الشخصانية للكاتب
عزيز الحبابي والتي فرق فيها بين الكائن والشخص. بناء على ذلك فالكائن يبدأ وجوده
الفعلي في المجتمع أثناء حاجته إلى الظهور، والتي تستوجب منه العمل على نفسه، وأن
يكون له دور في المجتمع، وعليه يمكن آنذاك أن يتحول هذا الكائن إلى إنسان.
واستنادا إلى ما سبق فقيمة الفرد حسب المتدخل تتجلى في قدرته على تكوين
مجتمع سليم، مجتمع منتج ومجتمع متطور. وفي هذا السياق تعتبر الوسيلة الوحيدة لكي
يصبح هذا الشخص إنسانا هي التحرر، وتماشيا مع ما تم ذكره فلا يمكن للكائن أن يكون
شخصا إلا إذا بدأ يشعر بالحاجة إلى التحرر، فضلا عن ذلك فالإنسان عندما يبدأ بالشك
والتحرر، تبدأ الأنسنة بالتدرج نحو ذاته، فحسب المتحدث لا مناص من القول بأن الشك
كمدخل للأنسنة هو مفتاح للحرية.
من جهة أخرى وفي معرض تناوله لقيم الفرد أشار محمد تمالدو إلى مبدأ الاستخلاف
في الأرض في الفكر الخلدوني، باعتباره ظاهرة خاصة بكل إنسان، في هذا الصدد يربط المتحدث
مسألة الاستخلاف بمسألة الرئاسة، فكل إنسان هو رئيس ذاته، حيث تطرق في هذا الصدد
إلى صفات الفرد الحر في الفكر الخلدوني، ومنها عزة النفس، الاقتدار، المناعة،
الإيثار...
وأثناء تحليله للعلاقة بين الفرد والمجتمع تطرق تمالدو إلى نظرية ابن خلدون
حول العمران، باعتباره حركة اجتماعية اقتصادية نفسية في دوران واستمرارية، فقد أكد
المتدخل أن العمران يشمل الانسان والمجال الذي يحتوي هذا الانسان وهنا يشير إلى
القانون. وفي معرض حديثه عن وجود الفرد داخل المجتمع أشار إلى مسألة التملك
الاجتماعي، وفيه تتصاهر الإرادة الإنسانية مع العين الملاحظة وهي القانون والقضاء.
في نفس الاتجاه يرى تمالدو بأن هناك أنواع من التملك الاجتماعي، وفي هذا
الصدد انطلق من التملك السلس باعتباره الأفضل للتعايش، ففيه يعيش الانسان في
المجتمع في نوع من التفاعل دون أن يؤثر على حق الآخر ودون أن يؤثر الآخر عليه.
وعلى خلاف ذلك هناك تملك يشوبه عنف، وهناك تملك تضغط عليه قوة قاهرة وهو الآتي من
فوق.
في ختام مداخلته تحدث محمد تمالدو حول التحولات الكبيرة على مستوى الأسرة
في المغرب، وحسبه فقد ارتبطت هذه التحولات بمسألة تمكين المرأة، وعلاوة على ذلك
فقد ساهمت استقلالية المرأة في تغيرات داخل الأسرة، إضافة إلى تأثر الواقع المغربي
بالتحولات العالمية الكبرى، والتي تتجه نحو أسر مجهرية قد لا تتجاوز الفرد أو
الفردين، ونتيجة لذلك فقد تأثرت مجالات أخرى ترتبط بالأسرة ومن بينها المجال
القروي، بحيث أن الفلاحة داخل القرى كانت تعتمد بشكل أساسي على كثرة الأولاد، غير
أن هذه التحولات ساهمت في إفراغ القرى من السكان.
وتجدر الإشارة إلى أن
هذه الندوة تخللتها بادرة طيبة للأستاذ تمالدو، والذي تبرع لمكتبة
"منصات" بمجموعة نادرة من الكتب، في مبادرة تهدف إلى دعم الباحثين
وتعزيز المعرفة في مجالات متعددة. تضم هذه المجموعة كتبًا تتنوع بين الدراسات
السوسيولوجية والتاريخية والسياسية، مما يجعلها إضافة قيّمة ستوضع قريبًا رهن
إشارة الباحثين والمهتمين للاستفادة منها.
وحرصًا على تسهيل
الوصول إلى هذا المحتوى النادر، ستقوم المؤسسة في وقت لاحق بنشر قائمة بالكتب
المتاحة، مما يتيح للباحثين الاستفادة الكاملة من هذه المصادر. وقد حظيت هذه
المبادرة بتفاعل كبير من الحضور، الذين أشادوا بأهمية هذه المبادرات الثقافية في
تعزيز البحث العلمي ونشر الوعي.
تتوجه مؤسسة
"منصات" بخالص الشكر والتقدير للأستاذ محمد تمالدو على هذا الإهداء
القيّم، الذي سيشكل بلا شكّ دعمًا ثمينًا للمكتبة وللمجتمع الأكاديمي والبحثي،
متمنين استمرار التعاون المثمر مع كل من يساهم في دعم الثقافة والبحث العلمي.