بشرى زمان،
باحثة في علم الاجتماع
============
ملخص المقال
إن الحصار المجالي الرمزي الممارس ثقافيا على الأنثى تحول في الظرف الاستثنائي لانتشار (كوفيد ـــ 19) مع مطلع سنة2020 ؛ إلى قهر للجسد الذكوري بحبسه داخل أسوار المجال الأنثوي؛ ليس بقرار ثقافي ولكن بقرار سياسي لضمان الصحة العامة للمواطنين. يدعونا هذا المشهد إلى إمعان النظر الموضوعي في هذا الوضع الطارئ ويحيلنا على طرح بعض الأسئلة من لائحة أسئلة متعددة: إلى أي حد يستطيع الرجال بالمجتمع المغربي تقبل الحصار داخل المنازل باعتبارها مجالات خاصة والتنازل عن حركيتهم بالمجال العام؟ وكيف يدبر الرجال بالمجتمع المغربي تواجدهم القهري بفضاء يتمثله المجتمع؛ فضاءً أنثويا ؟
بالمجال العام يتعلم الذكور شفرات الرجولة وهم يرتادون الملاعب والنوادي، المقاهي والمساجد.. والشارع عموما؛ باعتبارها "منازل للرجال"؛ حيث تتحقق معالم الرجولة بشكل مبكر من خلال التنشئة الاجتماعية في حين تحاصَر الأنثى بالمجال المحكوم بأسوار المنزل و خصوصية الأفضية الرطبة المُلزِمة للشرط الأنثوي بمجتمعاتنا. يشكل المنزل بالنسبة للمرأة؛ حصناً اجتماعيا وإطارا ثقافيا حاضناً، في حين يطرد هذا المجال الرجالَ إلى الخارج من أجل السعي والكد واستكشاف العالم الخارجي كعلامة فارقة بين عالم الرجال وعالم النساء "لعْيالات".
غير أنه في زمن تفشي وباء كورونا ستنقلب هذه الهندسة الاجتماعية التي ترسم حدودا مجالية يحكمها توزيع تراتبي ضمني حيث يستدمج الفرد سلطة اجتماعية رمزية، يطرد أثناءها الكائن المجهري اللّامرئي (كوفيدـــ 19) المجتمع الذكوري إلى الداخل. لتتحول الشوارع والساحات والأزقة والمساجد.. من أفضية دينامية و صاخبة؛ إلى محض زوايا يسكنها الصمت والترقب تنتظر مرور العاصفة الوبائية التي قلبت موازين الحركية الذكورية التي كانت بالأمس تحتل مجمل المجالات ــــ لاسيما منها المجالات الحضرية ــــ إلى سكون ذكوري يرتقب داخل أسوار المنزل.
ستُلزم؛ إذن؛ الظرفية الوبائية الرجلَ بإعادة ترتيب مجاله الجديد / القديم وفق إستراتيجية مؤقتة؛ يحتاج خلالها الرجل تدبير تواجده بالمجال الخاص دون أن يفقد سلطته الذكورية أمام المنافس الأنثوي، حيث تغدو المرأة المشتكية بالأمس القريب من غياب الرجل عن البيت؛ متضررة من تواجده كمنافس لها في زمن الحجر الصحي؛ منافَسة ثلاثية الأبعاد؛ المجالية والزمنية والوظيفية.
وفي ظل المحاولات لمحاربة الضجر، يتناوب الرجل مصادر المعلومة من التلفاز إلى الهاتف النقال الذي يتيح له فضاءً بديلا باعتباره مجالا عاما افتراضيا يتواصل من خلاله مع الأصدقاء عبر رسائل على الفايسبوك و الواتساب وغيرها. أما بالنسبة لمجتمع رجالي من نوع خاص، فقد كان فرصة سانحة للعودة إلى الذات للتفكر في مجريات الحياة، لترتسم ملامح مجالات ذكورية بديلة عن المجالات العامة في زمن الحصار الصحي.
إذا كان المجتمع الرجالي الذي سبق ذكره ، رغم كل الحصار، لديه فرصة لإبراز التفوق بين مجتمع الرجال بالعالم الافتراضي وفرصة للخروج للتبضع، فالأمر يتجاوز هذا المطلب عند الرجل المُياوم الذي اعتاد أن يعيل أسرته كل يوم ويشعر بقيمته وجدواه وكرامته التي باتت مفقودة بزمن الجائحة، مما قد يسبب حالة التشظي الهوياتي للرجل ويدخله في أزمة مع الذات وعدم القدرة على تحمل الظرف الاحتجازي الطارئ.
يمكنك تحميل المقال لقراءته كاملا.
باحثة في علم الاجتماع
============
ملخص المقال
إن الحصار المجالي الرمزي الممارس ثقافيا على الأنثى تحول في الظرف الاستثنائي لانتشار (كوفيد ـــ 19) مع مطلع سنة2020 ؛ إلى قهر للجسد الذكوري بحبسه داخل أسوار المجال الأنثوي؛ ليس بقرار ثقافي ولكن بقرار سياسي لضمان الصحة العامة للمواطنين. يدعونا هذا المشهد إلى إمعان النظر الموضوعي في هذا الوضع الطارئ ويحيلنا على طرح بعض الأسئلة من لائحة أسئلة متعددة: إلى أي حد يستطيع الرجال بالمجتمع المغربي تقبل الحصار داخل المنازل باعتبارها مجالات خاصة والتنازل عن حركيتهم بالمجال العام؟ وكيف يدبر الرجال بالمجتمع المغربي تواجدهم القهري بفضاء يتمثله المجتمع؛ فضاءً أنثويا ؟
بالمجال العام يتعلم الذكور شفرات الرجولة وهم يرتادون الملاعب والنوادي، المقاهي والمساجد.. والشارع عموما؛ باعتبارها "منازل للرجال"؛ حيث تتحقق معالم الرجولة بشكل مبكر من خلال التنشئة الاجتماعية في حين تحاصَر الأنثى بالمجال المحكوم بأسوار المنزل و خصوصية الأفضية الرطبة المُلزِمة للشرط الأنثوي بمجتمعاتنا. يشكل المنزل بالنسبة للمرأة؛ حصناً اجتماعيا وإطارا ثقافيا حاضناً، في حين يطرد هذا المجال الرجالَ إلى الخارج من أجل السعي والكد واستكشاف العالم الخارجي كعلامة فارقة بين عالم الرجال وعالم النساء "لعْيالات".
غير أنه في زمن تفشي وباء كورونا ستنقلب هذه الهندسة الاجتماعية التي ترسم حدودا مجالية يحكمها توزيع تراتبي ضمني حيث يستدمج الفرد سلطة اجتماعية رمزية، يطرد أثناءها الكائن المجهري اللّامرئي (كوفيدـــ 19) المجتمع الذكوري إلى الداخل. لتتحول الشوارع والساحات والأزقة والمساجد.. من أفضية دينامية و صاخبة؛ إلى محض زوايا يسكنها الصمت والترقب تنتظر مرور العاصفة الوبائية التي قلبت موازين الحركية الذكورية التي كانت بالأمس تحتل مجمل المجالات ــــ لاسيما منها المجالات الحضرية ــــ إلى سكون ذكوري يرتقب داخل أسوار المنزل.
ستُلزم؛ إذن؛ الظرفية الوبائية الرجلَ بإعادة ترتيب مجاله الجديد / القديم وفق إستراتيجية مؤقتة؛ يحتاج خلالها الرجل تدبير تواجده بالمجال الخاص دون أن يفقد سلطته الذكورية أمام المنافس الأنثوي، حيث تغدو المرأة المشتكية بالأمس القريب من غياب الرجل عن البيت؛ متضررة من تواجده كمنافس لها في زمن الحجر الصحي؛ منافَسة ثلاثية الأبعاد؛ المجالية والزمنية والوظيفية.
وفي ظل المحاولات لمحاربة الضجر، يتناوب الرجل مصادر المعلومة من التلفاز إلى الهاتف النقال الذي يتيح له فضاءً بديلا باعتباره مجالا عاما افتراضيا يتواصل من خلاله مع الأصدقاء عبر رسائل على الفايسبوك و الواتساب وغيرها. أما بالنسبة لمجتمع رجالي من نوع خاص، فقد كان فرصة سانحة للعودة إلى الذات للتفكر في مجريات الحياة، لترتسم ملامح مجالات ذكورية بديلة عن المجالات العامة في زمن الحصار الصحي.
إذا كان المجتمع الرجالي الذي سبق ذكره ، رغم كل الحصار، لديه فرصة لإبراز التفوق بين مجتمع الرجال بالعالم الافتراضي وفرصة للخروج للتبضع، فالأمر يتجاوز هذا المطلب عند الرجل المُياوم الذي اعتاد أن يعيل أسرته كل يوم ويشعر بقيمته وجدواه وكرامته التي باتت مفقودة بزمن الجائحة، مما قد يسبب حالة التشظي الهوياتي للرجل ويدخله في أزمة مع الذات وعدم القدرة على تحمل الظرف الاحتجازي الطارئ.
يمكنك تحميل المقال لقراءته كاملا.