في إطار برنامج جيل للباحثين الشباب الرياديين، تنظم منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل الألمانية سلسلة محاضرات حول : "الشباب والحريات الفردية في المغرب: مقاربات سوسيولوجية". ويحتضن منتجع ضاية الرومي، ما بين 27 و29 نونبر 2020، هذه الفعالية بمشاركة 20 طالبا باحثا وبتأطير من أكاديميين وباحثين في السوسيولوجيا والاقتصاد والعلوم السياسية.
أرضية الفعالية :
لازالت مسألة الحريات الفردية في المغرب تثير الكثير من الجدل. ويعود أحدث جدل حولها إلى مذكرة قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره مؤسسة دستورية واستشارية. فقد قدم المجلس رأيه بخصوص النقاش الدائر حول تعديل القانون الجنائي المغربي. وقدم مذكرة إلى البرلمان المغربي بتاريخ 19 أكتوبر 2019 حول مشروع القانون رقم 10.16 الذي یقضي بتغیير وتتميم مجموعة القوانين الجنائية. همت المذكرة عددا من القوانين المتعلقة بالحرية الفردية حيث نصت المذكرة في هذا السياق على توصيتين تتعلقان بالفصل 220 والفصل 222 من القانون الجنائي المغربي.
أثارت هذين التوصيتين الكثير من الانتقادات فمذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبالرغم من كونه مؤسسة دستورية تعرض لهجوم واسع من قبيل العديد من الفاعلين الاجتماعيين. لا يشكل هذا الانتقاد والجدل حادثا معزولا في سياق المجتمع المغربي. فقد سبقته نقاشات عديدة حول حرية المعتقد، ووضعية المرأة، ومدونة الأسرة، وقضايا الإرث، العلاقات الرضائية بين الراشدين، الإجهاض، الإفطار العلني في رمضان.
لا تزال تثير هذه القضايا الكثير من الجدل، بالرغم من أن المجتمع المغربي شهد تحولات عميقة مست البنيات التقليدية، حجم الأسرة، أهمية الفرد في المجتمع وحريته. ويغلب عموما على هذه النقاشات الرهان السياسي وتموقع الفاعلين على مستوى المرجعيات ولا تشكل التساؤلات حول الحرية (الحريات) موضوع بحث اجتماعي. ولذلك سيظل هذا الجدل مبتورا بدون العودة إلى أساسه والمتمثل في مفهوم الحرية وكيف يتم تمثلها اجتماعيا داخل السياق المجتمعي المغربي.
على المستوى النظري يظل مفهوم الحرية غامضا ومن الصعب حصر القضايا التي يطرحها أو يحيط بها. ويعبر جزء من التعريف التوافقي حول الحرية عن قدرة الأفراد على اتخاذ القرار وقدرتهم على التحكم في مصيرهم؛ وأن تكون تصرفاتهم انطلاقا من رغباتهم الخاصة. كما يمكن أن تكون الحرية هي عدم تملك الأفراد من قبل أفراد آخرين.
على المستوى السوسيولوجي لا تخلو الأدبيات الكلاسيكية من هذا النقاش والجدل الذي يدور عموما حول عدد من الأسئلة من قبيل :
· هل يتصرف الناس بحرية أم أنهم أجبروا على التصرف بطريقة ما بسبب مجموع العوامل الخارجية التي تؤثر وتحدد اختياراتهم؟
· إلى أي مدى يمكن أن ترتبط الحرية بالفرد الذي يتم تصوره على أنه كيان يفكر وفعال؟
· ما هي العلاقة بين الحرية الفردية والحرية الجماعية؟
· هل يستطيع الأفراد خلق حريتهم كنشاط يهدف إلى بناء العالم، وهل هذه الحرية تعني انسحاب الفرد من جماعته؟
تحيلنا هذه الأسئلة على ذلك الجدل الكلاسيكي داخل علم الاجتماع، الذي بدأه كل من ماكس فيبر وايميل دوركهايم ولا يزال مستمرا من خلال إنتاجات بورديو، وبودون، ونوربرت إلياس وغيرهم.
فبالنسبة لدوركهايم، ليس الفرد سوى نتاج للتنشئة الاجتماعية الخاصة به ويتأثر بالعديد من العوامل المحددة (الأسرة، المحيط، المدرسة...). فيما يرى فيبر أن وجود الأفراد هو النواة الأساسية للتحليل بناءً على امتلاك الفرد العقلاني قدرًا معينًا من المعلومات. وتمثل المجتمعات وظواهرها، تجميعا لإرادة الفاعلين مجتمعين معًا من أجل تحسين أوضاعهم.
وفي إطار نفس هذا الجدل النظري، لا يمكن فهم المجتمع، بالنسبة لماركس على أنه مساحة للتفاوض بين الحريات الفردية. والحرية بالنسبة له تعني انتفاء التناقضات الموجودة في توازن القوى بين الطبقات. لهذه الأسباب، وتبعا لهذا المنظور، يتم تدمير الحرية الفردية من خلال استعباد أولئك الذين يمتلكون فقط قوة العمل لصالح أصحاب رأس المال. وعلى هذا الأساس، فإن التفكير في الفرد وحريته بالنسبة لماركس يتطلب أن نتجاوز الفرد بشرط تسوية المسألة الطبقية.
وفي معنى آخر، يتطلب خلق فضاء الحرية، وفقًا لحنا أرندت، اعتبار الطرائق المختلفة لتعامل الأفراد مع أجسادهم وطرق تفكيرهم، ويمكن القول، أن فكرة الحرية تتجسد من خلال نموذج للفعل الجماعي الذي خاضته النساء للتخلص من أسر الجسد. كما أن الحرية بالنسبة لها تخضع للاختبار بشكل أساسي من خلال التحولات التي تطرأ على العلاقات مع الآخرين، والتي تأتي، وفقًا لسيمون دي بوفوار، من الحاجة إلى "تملك الذات". ونتيجة لذلك، لكي تكون هناك حرية يجب أن تستند إلى الاعتراف بالعلاقات الاجتماعية وبالتحولات التي تطرأ عليها.
من خلال مراجعة هذه الأدبيات، تطلق منصات للبحوث والدراسات الاجتماعية برنامجًا للبحث والتدريب والتفكير حول الشباب والحريات الفردية في المغرب. وتندرج المبادرة في إطاربحثي يهدف إلى خلق النقاش العلمي اللازم ومساهمة في توفير الأرضية الملائمة الرامية إلى دعم انبثاق مجتمع أكثر انفتاحا، وعقلانية وحرية.
وتهدف الفعالية إلى تمكين الباحثين المشاركين من التعرف على بعض الأطر النظرية السوسيولوجية لمقاربة قضايا الحريات الفردية. بالإضافة إلى التدريب على استخدام المقاربات السوسيولوجية في معالجة القضايا المرتبطة بالحريات الفردية انطلاقا من دراسة حالات. كما ترمي إلى إتاحة الفرصة للمشاركين للمساءلة السوسيولوجية لطرق التفكير في الحريات الفردية، وإعادة التفكير فيها، وموضعة قضايا الحريات الفردية ضمن سياقها الاجتماعي والتاريخي. ويهدف النشاط أيضا إلى التدريب على استخدام المفاهيم، والأدوات العلمية المناسبة عند مناقشة القضايا المجتمعية الكبرى.