تتأسس هذه الورقة على معطيات البحث الكمي الذي أنجزه فريق الباحثين التابع لمركز منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية، حول واقع الحريات الفردية بالمغرب. البحث الذي كشف عن مجموعة من التغيرات والتحولات التي مست المجتمع المغربي في اتصال بقضية الحريات الفردية. تتجسد أبرز هذه التغيرات في ظهور تباعد بين ممارسات المغاربة لحرياتهم الفردية من جهة، ووعيهم المبرر والمشرعن لها من جهة أخرى. تتطرق الورقة بالخصوص إلى مساهمة السياسات الدينية في بروز هذه المفارقة، كما تقترح البدائل الممكنة لرأب صدع هذا التباعد بين ممارسات وخطابات المغاربة اتجاه الحريات الفردية.
مقدمة
رافق إدانة المحكمة الابتدائية بتاونات للمسيحي المغربي "محمد البلدي" بسنتين ونصف حبسا نافذا، يوم الاثنين 02 شتنبر 2013 بتهمة "زعزعة عقيدة مسلم" جدلا ونقدا واسعا من طرف شخصيات وهيئات حقوقية كثيرة (حرودي، 2014)، على رأسها المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي دعا في التقرير السنوي الذي أصدره حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب سنة 2019 إلى حذف الفقرة الثانية من الفصل 220 من القانون الجنائي، التي تتضمن العقوبة المتعلقة بـ”زعزعة عقيدة مسلم” (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، 2020).
فرغم انفتاح المملكة على الأديان الأخرى كما تصوره زيارة البابا للمغرب في 30 مارس 2019، والاهتمام المتزايد بمعابد وثقافة أتباع الطائفة اليهودية، إلا أن هذا الانفتاح يقترب من كونه انفتاحا إعلاميا. إذ أن جزء مهم من المغاربة غير المسلمين يرزحون على أرض الواقع تحت نير سياسة دينية متأرجحة بين مطالب الحريات الفردية التي ما فتئت تتجذر يوما بعد يوم في المجتمع المغربي من جهة، وإكراهات التوازنات السياسية الداخلية خصوصا، باعتبار مؤسسة إمارة المؤمنين -بما هي مؤسسة إسلامية- على رأس الدولة من جهة أخرى. الشيء الذي يسائل مساهمة هذه السياسات في رسم معالم واقع اجتماعي وحقوقي وسياسي متميز بجملة من المفارقات بين الممارسات والخطابات بشأن الحريات الفردية. ففي ماذا تتجلى هذه المفارقات؟
كلمات مفتاحية: المغرب- الحريات الفردية- الفردانية- الوعي الحقوقي- حقوق الإنسان.