احتضن المركب السوسيو ثقافي محمد عصفور بالدار البيضاء يومه السبت 26 نونبر2022، اللقاء الثاني من سلسلة " أوراق بحثية خيارات وبدائل مجتمعية ". وشهد اللقاء حضورعدة فعاليات علمية، سياسية وحقوقية، مدنية ورسمية، وشارك في تأطيره رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان الحسن الإدريسي والباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي. كما عرف تقديم ورقة السياسات المنجزة من طرف خريج برنامج جيل من أحمد بكاس والتي ناقشت موضوع الحريات الفردية من خلال مقاربة التأسيس لحرية المعتقد عبر مدخل تدريس الأديان بالمقررات الدراسية المغربية. و تم تأطير هذا اللقاء من طرف أستاذة الاقتصاد بجامعة ابن طفيل، الأستاذة أحلام قفص التي قامت بتذكير بأهم نتائج البحث الكمي المنجز من طرف المؤسسة السنة الماضية و بالأخص الشق المتعلق بحرية المعتقد.
أحلام قفص: الهوية الدينية عابرة للسياقات
خلال عرضها لأهم نتائج البحث الكمي الذي أجرته مؤسسة منصات حول حرية المعتقد، أكدت أحلام قفص أن حوالي 50.1% من أفراد العينة، يتعرفون على أنفسهم هوياتيا كمسلمين أولا. في حين لا يتعرف إلا 23.6% منهم على أنفسهم كمغاربة أولا. و هذا يدل على كون الشعور بالهوية الوطنية، يأتي لاحقا على الشعور بالهوية الدينية الإسلامية. و حتى عند إدخال المتغيرات الخمسة المعتمدة هنا، فإن النسب الناتجة عن ذلك لا تنحرف بشكل كبير عن نسب العينة ككل. يظهر إذن أن مسألة الهوية الدينية هي عابرة للسياقات والشروط الاجتماعية في عينتنا.
وعندما نمزج في سؤال واحد بين البعد الديني و البعد المواطنتي la citoyenneté، لنطرح وضعية محددة و دقيقة، من قبيل التساؤل عن حق مواطن مغربي، في أن يتهم أو يحكم على مواطن مغربي آخر بالكفر أو الإلحاد مثلا. نرصد أن 72.6% من المستجوبين يرفضون ذلك. ولم يوافق بشكل صريح على ذلك إلا نسبة 4.7%. في حين لم يعبر 22.9% منهم عن موقف محدد.
ولما نتمعن في أسباب الرفض، نجد أن 49.6% منهم يبررون ذلك بكون الدين الإسلامي يمنع ذلك. بمعنى أنه حتى التعايش على أساس المواطنة ينبغي البحث له عن تبرير ديني. هذا في حين جاء التبرير على أساس المواطنة بشكل و اضح و صريح عند 20.8% فقط منهم. أما التبريرات الفضفاضة غير الدقيقة فنجدها عند حوالي30% من قبيل الانتماء للإنسانية، وضرورة التسامح بين البشر.
بكاس : دراسة الأديان تعلم احترام الاختلاف
وقدم أحمد بكاس، خريج برنامج جيل الذي تشرف عليه منصات، ورقة سياسات هدفت إلى مقاربة إمكانية التأسيس لحرية المعتقد في المغرب من خلال إدراج مادة دراسة الأديان بالمقررات الدراسية المغربية. وتساءل المتدخل : هل يمكن لتدريس تاريخ الأديان في البرامج التلعيمية بالمؤسسات التربوية المغربية أن يمثل لبنة من لبنات التأسيس لحرية المعتقد في المغرب؟
وفي معرض إجابته، قال المتدخل أن التعرف على الأديان المختلفة يمكن أن يساهم في نشر قيم التسامح وتقبل الاختلاف الذي يميز المجتمعات الحديثة القائمة على التعددية والتنوع الثقافي والديني والعرقي. وأشار بكاس في عرضه أن هناك مؤشرات إيجابية من قبل فاعلين مؤسساتيين رئيسيين داخل الدولة يمكن أن تساهم في التأسيس لحرية المعتقد.
الحسن الإدريسي: تدريس الأديان بالمدرسة ممكن والدستور منفتح على ذلك
ومن جهته، ذكر رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان الحسن الإدريسي بما سماه التعارض الحاصل بين حرية المعتقد كمفهوم متحرر، متحول وتلقائي شخصي لا يعتمد الثبات، والدين كمفهوم قائم على ثوابت وقيم وقواعد محددة، و اعتبر أن الربط بين هذين المفهومين المتعارضين هو أساس الإشكال الحاصل. وأكد المتدخل أن الدستور المغربي منفتح على هذا المبدأ لكن الأمر مازال يحتاج إلى دراسة للمجتمع والذي أصبح هو منبع الإشكال. فهذه الحرية تحتاج إلى بنية مجتمعية سليمة حيث أنه ورغم الموافقة على تدريس الأديان في المدرسة، كما تثبته نتائج الدراسة لكن لن يكون باستطاعة المكون التربوي اليوم والمنهج التعليمي تحمل ثقل الثقافة الدينية التقليدية التي تشكل، حسب المتدخل، عائقا أمام تحقيق هذا المطلب.
وأضاف المتدخل أن الدين مكون أساسي في معرفة الآخر، لذلك فدراسة الأديان تعتبر أمرا إيجابيا لا بد له من المأسسة التي تتم عبر التأسيس للمكون الثقافي والتراثي، كما يتم عن طريق التنشئة و تكوين الأطر التربوية وإقناعهم بأهمية الانفتاح على الآخر. اعتبر أن الاطلاع على ثقافة الآخر بما فيها الأديان هي الخطوة الأولى في طريق معرفة الآخر. لكن إذا كان التغيير مرغوبا فيه فلابد له من التأسيس المبني على الإرادة الجيدة.
عبد الوهاب رفيقي: الإصلاح الديني أولا
وفي نفس السياق، اعتبر الباحث في الفكر الإسلامي عبد الوهاب رفيقي أن تدريس الأديان أمر صعب بحكم طبيعة النسق التقليدي المهيمن. وتساءل عن موقع الحساسيات الدينية الآخرى ضمن مشروع تدريس الأديان وإمكانيته بالمدرسة المغربية. وقال رفيقي: "لا يمكن الحديث عن تدريس الأديان دون الحديث عن وسط التدريس و التعارض الحاصل بين الأسرة و الأساتذة و الذين يعترضون في بعض الحالات على أي نوع من التغيير ولو حتى في تسمية التربية الإسلامية بتربية دينية". ليخلص الأستاذ عبد الوهاب رفيقي إلى أنه و قبل الحديث عن هذا الموضوع يجب الحديث عن الإصلاح الديني و الذي لا يمكن أن ينجز على أرض الواقع دون وجود وسط مهيئ لذلك. فنحن وفي وقتنا الحالي لازلنا نجد أن الخطاب الديني المسوق و المعترف به يدور حول الغزوات و المعارك و انتصار المسلمين على الكفار.