نسخة تجريبية

منصات وإدماج في لقاء تفاعلي حول: النساء، الفضاء العام والحريات الفردية


بشراكة بين مركز منصات ومؤسسة إدماج للتنمية احتضن مركز الادماج السوسيو اقتصادي للنساء في وضعية هشاشة بالدارالبيضاء لقاءا تفاعليا خصص لتقديم ومناقشة مجموعة من النتائج السوسيولوجية للأبحاث الميدانية التي أجرتها منصات، حول تيمات: النساء، الفضاء العام والحريات الفردية، وقد جرت أشغال هذه الفعالية يوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025، حيث استعرض أعضاء من الفريق العلمي لمنصات عددا من النتائج التي أفرزتها هذه البحوث الميدانية التي أجريت في ربوع المملكة.

شهدت هذه الندوة مشاركة كل من الأستاذ عزيز مشواط مدير مؤسسة منصات، بالإضافة إلى الأستاذ محسن محمد الرحوتي أستاذ علم الاجتماع وباحث رئيسي بمنصات، والسيد بوبكر مازوز رئيس مؤسسة إدماج، وأدارت أشغال هذا اللقاء السيدة فاطمة إيكا منسقة البرامج بمنصات. تميزت هذه الفعالية بمشاركة مكثفة لعدد من الفاعلين المدنيين والأكاديميين والحقوقيين، كما حضرت أشغال هذه الندوة مجموعة من الفعاليات النسائية المنخرطة بمركز إدماج.

بوبكر مازوز: البحث العلمي والمجتمع المدني، تكامل لا بديل له من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي

في معرض مداخلته قدم بوبكر مازوز قراءة تفاعلية في مضامين الدراسة الميدانية التي أنجزتها منصات حول: النساء، الفضاء العام والحريات الفردية. وقد توقف عند أبرز النتائج السوسيولوجية التي كشفها هذه البحث، مبرزا أهمية المقاربة العلمية والسوسيولوجية في فهم تمثلات النساء لتجاربهن في الفضاءات العامة، وما يطرحه ذلك من رهانات على مستوى المساواة وإعادة التفكير في السياسات الاجتماعية والمجالية ذات الصلة.

وأشار مازوز إلى أن مثل هذه الدراسات تمثل فرصا مهمة لتقوية جسور التعاون بين الفاعلين في مجالي البحث العلمي والعمل المدني، مؤكدا أن إنتاج المعرفة لا يكتمل أثره إلا حين ينفتح على الفاعلين الجمعويين والميدانيين الذين يشتغلون عن قرب مع الفئات الاجتماعية موضوع البحث. وشدد على أن تفاعل المعطى العلمي مع التجربة الميدانية يتيح بناء تصورات واقعية وحلول عملية تستجيب للتحولات الاجتماعية الراهنة.

كما دعا إلى تعزيز الشراكات بين المراكز البحثية والمنظمات المدنية من أجل بلورة مشاريع مشتركة تسهم في تطوير أدوات التشخيص والتدخل، وتربط بين البحث النظري والممارسة الميدانية. واعتبر أن هذا التكامل هو السبيل نحو ترسيخ ثقافة التفاعل بين الجامعة والمجتمع، وتثمين المعرفة كأداة للتغيير الاجتماعي المستدام.

عزيز مشواط: حضور النساء في الفضاء العام تفاوض مستمر مع المجتمع

استهل عزيز مشواط مداخلته بتقديم قراءة تحليلية في أبرز نتائج البحث الميداني الذي أنجزته المؤسسة حول النساء، الفضاء العام والحريات الفردية. حيث عرض مجموعة من الأرقام والمعطيات الإحصائية التي تكشف طبيعة حضور النساء في الفضاء العام، مسلطا الضوء على الفوارق والتمثلات الاجتماعية التي تؤطر هذا الحضور، وعلى التحديات التي ما تزال تعترض ولوج النساء لهذا الفضاء.

من جهة أخرى أشار مشواط إلى مفهوم التفاوض بوصفه مفتاحا لفهم الممارسات اليومية للنساء داخل الفضاء العام، مبينا أن الوجود النسائي في الشارع ليس مجرد فعل يومي عادي، بل هو شكل من أشكال التفاعل الذكي مع الواقع. وأوضح أن ما سماه بـ“التحايل الإيجابي” يجسد ذكاء نسائيا يوميا يمكن النساء من التكيف وتجاوز التمثلات والمواقف الاجتماعية والثقافية، أثناء ولود الفضاء العام. وفي هذا السياق، توقف عند الحجاب بوصفه أحد أشكال هذا التفاوض الرمزي، إذ يشكل في كثير من الأحيان آلية دفاعية واستراتيجية اجتماعية تمكن النساء من التحرك بحرية نسبية داخل فضاء تهيمن عليه الرقابة الاجتماعية والتمثلات المحافظة.

وكشف مشواط أن خروج المرأة إلى الشارع يمثل خطوة كبيرة في مسار تحررها وتقدمها التاريخي، وهو ما واكبه عدد من التحولات العميقة في القيم والمعايير الاجتماعية. كما دعا إلى تعزيز التكامل بين البحث العلمي والمجتمع المدني، باعتبار هذا التكامل شرطا أساسيا لتحويل المعرفة إلى قوة اقتراح وفعل اجتماعي. فالبحث العلمي، كما أوضح، لا يكتمل أثره إلا عندما ينفتح على التجارب الميدانية التي راكمتها الجمعيات والمنظمات المدنية في تماسها اليومي مع الفئات الاجتماعية، ويساهم كذلك في تطوير أدوات الفعل المدني وجعلها أكثر دقة وارتكازا على المعطى السوسيولوجي الميداني.

الرحوتي: النساء والفضاء العام، ضعف في الوعي القانوني وانخراط مدني محدود

أكد محسن الرحوتي أن هذا اللقاء التفاعلي يشكل فرصة للخروج بالبحث من أسوار الجامعة إلى الميدان، لتصبح المعرفة منتجة وفي تماس مباشر مع المجتمع. وأوضح أن طبيعة البحث الذي أنجزته مؤسسة منصات ذات طابع ميداني بامتياز، إذ تأسست معطياته على واقع النساء وتجاربهن في الفضاء العام، باعتباره مختبرا اجتماعيا مفتوحا تتقاطع فيه قيم العادات والتقاليد من جهة، ومطالب الحرية والتحرر من جهة أخرى.

وانطلاقا من هذا المعطى، أبرز الرحوتي أن قضية المرأة والحرية في الفضاء العام ليست ترفا فكريا، بل هي مدخل أساسي لفهم ديناميات المجتمع المغربي الذي يستحيل أن يتقدم دون حضور فعال للنساء. غير أن هذا الحضور، كما أشار، يظل مكلفا اجتماعيا بسبب ما تفرضه البنى الثقافية والتقاليد من قيود رمزية ومادية. وفي هذا الإطار، تناول مسألة الحجاب بوصفه آلية دفاعية وتفاوضية، حيث كشفت الدراسة أن 66٪ من النساء يعتبرن ارتداءه شكلا من أشكال الحماية في الفضاء العام، لا ارتباطا بمحددات دينية خالصة.

أما بخصوص العلاقة بين المرأة والقانون، فقد بيّنت الدراسة أن 86٪ من النساء لا يعرفن بوجود نصوص قانونية تحمي حريتهن في الفضاء العام، وأن فقط 5٪ منهن على دراية بمقتضيات القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، بينما 3٪ فقط ينخرطن في جمعيات أو هيئات مدنية. واعتبر الرحوتي أن هذه النسب تكشف ضعف الوعي القانوني والمدني لدى النساء، وأن أغلبهن يجدن أنفسهن بين مرجعيتين: الدينية والقانونية، يقبلن بهما معا دون تمييز واضح بين حدودهما. لذلك دعا في ختام مداخلته إلى تعزيز التوعية القانونية والاجتماعية، وربط البحث الأكاديمي بالفعل الجمعوي من أجل بناء وعي نسائي نقدي قادر على التفاوض مع الواقع بدل التكيف معه فقط.

والجدير بالذكر أن هذه الندوة تأتي في إطار سلسلة اللقاءات التي ستنظمتها مؤسسة منصات حول قضايا النساء، الفضاء العام والتغييرات الاجتماعية، بهدف إثراء النقاش وتبادل الأفكار والآراء في هذا الموضوع، وذلك في سياق النتائج العلمية للبحث الميداني الكمي الذي كانت قد أجرته منصات حول تيمة: النساء، الفضاء العام والحريات الفردية. والذي شمل عينة تمثيلية من 1584 مغربيا ومغربية. هذا البحث هدف إلى رصد تمثلات المغاربة حول حقوق ووضعية النساء في الفضاء العام.