نسخة تجريبية

متدخلون في طاولة مستديرة : نتائج دراسة منصات تكشف أرضية للتغيير تحتاج للمواكبة المؤسساتية



إعداد: تسنيم عزيبو، طالبة في قسم الإعلام، متدربة بمنصات.


كشفت الطاولة المستديرة المنظمة أمس الجمعة بشراكة بين مؤسسة منصات ومركز "وعي" أن المجتمع المغربي يوجد في منطقة متأرجحة بين الانغلاق والاستعداد للانفتاح على تغيير القوانين الماسة بالحريات الفردية. الفعالية التي احتضنتها مؤسسة منصات ناقشت الدراسة التي أصدرها باحثو منصات والمشاركون في برنامج جيل، حول الحريات الفردية: تمثلات وممارسات. وعرفت الفعالية مشاركة كل من مبارك أفكوح، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء ـ سطات ونائب رئيس اللجنة العالمية للسلام في أفريقيا، ومحمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفكر الإسلامي بالإضافة إلى عزيز مشواط مدير مركز الأبحاث والدراسات الاجتماعية منصات. كما حضرت الطاولة المستديرة فعاليات أكاديمية وحقوقية ومدنية.

رفيقي: الثقافة الدينية المغربية تعرضت للغزو

وفي تعليقه على نتائج الدراسة، توقف محمد عبد الوهاب رفيقي عند الحضور القوي للدين في تحديد موقف المبحوثين. وأشار إلى أن الثقافة الدينية تؤثر على نسبة من المجتمع، ويتم استعمالها للحد من حرية الأفراد.و قال "إذا أردنا أن نحلل نتائج البحث، يجب علينا التوقف عند الإشكال الديني الذي يؤثر على قرارات المجتمع. والدليل على ذلك نتائج البحث والأرقام المحصلة عليها. فمن منظور أنثروبولوجي فالدين ليس ثقافة موحدة".  وفسر الباحث في الفكر الإسلامي عبد الوهاب الرفيقي أن هذا الحضور المكثف للدين بصيغته المتشددة راجع إلى تأثير التيارات الدينية التي غزت المغرب خلال الستينات والسبعينات، والتي كان لها تأثير كبير في توجيه المجتمع نحو مواقف معينة".

 

 وأشار ذات المتدخل إلى ضعف الوعي بمعنى الشريعة داخل المجتمع المغربي، حيث يقول: "46% قالوا أن الشريعة الإسلامية ستحل مشاكل المغرب، وهذا أيضا يعتبر إشكالا يدل على ضعف الوعي، وأحيانا أيضا يدل على ضعف المعرفة بمعنى الشريعة والتي تعني فيما تعنيه القصاص، وقطع يد السارق، وجلد الزاني، وهي أمور يستحيل في الوقت الحالي تطبيقها". وركز رفيقي على السياق الذي رافق تعاظم تأثير مختلف التيارات كالسلفية والوهابية بالخصوص التي أحدثت تغييرات كبيرة في الثقافة الدينية المغربية.

 

أفكوح: متفائل بما تكشفه نتائج الدراسة من تغييرات اجتماعية

ومن جهته، اعتبر مبارك أفكوح، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاءـ سطات، أن نتائج الدراسة، لابد أن يتم قراءتها باستحضار التحولات التي عرفها المغرب من قبيل أحداث 16 ماي سنة 2003، والصراعات الإيديولوجية، وأيضا الدستور الذي تم تعديله سنة 2011.  وأفاد المتدخل :"نتصور أن النتائج  تكشف عددا من المعطيات الإيجابية. ويظهر لي من خلال الدراسة  ارتفاع نسبة الممارسات الحرة، وبالمقابل نسجل انخفاض منسوب التصريح بمساندة هذه الحريات. وهو تناقض تكشفه الأرقام، حيث أن غالبية المستجوبين يكشفون عن انتشار العلاقات الرضائية في المجتمع وبالمقابل 69،2% يجهلون مضمون الفصلين 222 و490، هذا رقم مهم، فهم لا يؤيدونه ولا يعارضونه بل يجهلونه مطلقا."

 

وعلق أفكوح، العضو باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء، على النتائج قائلا: " 75،4% يعتبرون أن أجسادهم ملك لهم.  وهذا دليل إيجابي للتحولات المستقبلية. وأضاف أفكوح أن 76،3% يقرون بانتشار العلاقات الرضائية في المجتمع المغربي. وهي نسبة تكشف وعي المجتمع المغربي بوجود هذه الممارسات بغض النظر هل يؤيدونها أم يعارضونها، بل هي مثبتة في الواقع المغربي. 60% قاموا بممارسات جنسية قبل الزواج، هذا يعني عدم إنكار الواقع المعيش. و60% مع تدريس التربية الجنسية."

 

ولاحظ المتحدث الحضور المكثف للدين في توجيه تمثلات المستجوبين. حيث يقول :"والملاحظ عند استقرائي للأرقام، هو كلما وجدنا أرقاما متدنية لقبول الحريات الفردية، أجدها غالبا معللة من منظور ديني أو يغلب عليها طابع الخوف والتردد." وفسر أفكوح الأمر بمناخ الخوف الذي عاشه المغاربة خلال فترة الثمانينات والتسعينيات وغيرها والتي كانت السبب في خوفهم من الحرية . وأردف قائلا: "لا يجب أن ننسى أن المجتمع المغربي عانى من الخوف في التسعينات والثمانينات والسبعينيات، لدرجة عدم القدرة على قول الحقيقة. وترسخ ذلك الخوف في المجتمع المغربي، خصوصا إذا كان يتعلق الأمر بالسياسة إلى غير ذلك، ولا يستطيع التعبير عما يدور في نفسه. فهذا الجانب يمكن أن يؤثر على الأرقام."

 

وختم مبارك أفكوح مناقشته بأن سبب التناقض االقائم داخل المجتمع المغربي راجع  إلى التحريم الديني والتجريم القانوني  مقابل الانفتاح السلوكي وانتشار الممارسات المستترة، مما أنتج عنه مجتمعا يعرف ما يريد، لكن لا يستطيع التعبير عنه".

 

مشواط : للمجتمع دائمًا القدرة على التكيف مع التغييرات الجديدة

وفي تقديمه للدراسة عاد عزيز مشواط إلى شرعية مناولة الحريات الفردية بالدرس والتحليل. وربط مشواط الأمر بلحظات مهمة عرفها تاريخ البشرية بصفة عامة، لأن الحريات الفردية مرتبطة بلحظات إعادة النظر في وضعية الفرد  وقيمة الإنسان وهي  لحظات، يقول مشواط، يمكن أن تجتمع في كلمة واحدة ألا وهي الحداثة. فالحريات الفردية هي وليدة منظومة الحداثة".

 

وحول منهجية الدراسة وخلفياتها، قال مشواط: "إن سؤال الحريات سؤال يحيل إلى الانتقال من الفرد كعضوية يبولوجية إلى الذات الفاعلة وصولا إلى الفاعل المتحكم في مصيره". وأضاف أن سؤال الحريات الفردية في المغرب لا يمكن فصله عن التغيرات الاجتماعية التي شهدها المغرب سواء من الناحية الديمغرافية أو ارتفاع نسبة التحضر وارتفاع المستوى التلعيمي وولوج المرأة للعمل وارتفاع الأمد العمري وغيرها. ومن هنا، يقول المتحدث، فإن النتائج تعكس في مستوياتها الثلاثة: الدين وحرية الاعتقاد، والجنسانية و العلاقة مع الجسد، تلك التحولات".

 

وفي تعليقه على نتائج الدراسة، اعتبر مشواط أن النتائج وإن كشفت استمرار رتباط المغاربة بالقيم التقليدية، الأسرة، الدين، معايير الحياة الخاصة والعامة. إلا أن هيكل القيم لدى المغاربة لا يتحدد انطلاقا من التقابل بين ماهو تقليدي وماهو حداثي، خاصة في الحياة اليومية للمغاربة حيث تتجاور ديناميات مختلفة، ديناميات تقليدانية معيارية ومواقف وسلوكات عقلانية وبرغماتية. كما أن المغاربة، يضيف المتحدث، يطورون باستمرار استراتيجيات فردية حسب السياق حيث يكيفون المعايير ويعطي الأفراد معنى لاختياراتهم حسب كل حالة

 

وكشف مشواط  صعوبة الحديث عن وتيرة التغيير الاجتماعي، وعمقه واتجاهه انطلاقا من هذه النتائج. ويعود ذلك، بحسبه :" لأن الزمن الاجتماعي للتغيير بطئ ويحتاج لتوافر عدد من المتغيرات لا يمكن التحكم فيها أو التنبؤ بها". وأضاف:"أن التناقض البادي من خلال النتائج ما بين السلوكات المتحررة المنتشرة والمواقف المعارضة للحريات يبقى مفهوما، حيث عندما يتعرض المجتمع لموجة من التغير السريع لا يمكنه أن يفقد خاصية التوازن، لأن التوازن ديناميكي وثابت (توازن غير مستقر)، وللمجتمع دائمًا القدرة على التكيف مع التغييرات الجديدة ودمجها فيها شريطة مواكبتها من قبل النخبة، والفاعلين المؤسساتين المعنيين".

 

يذكر أن منصات كانت قدر كشفت في ندوتها الختامية في نونبر الماضي عن نتائج  الدراسة التي أجريت ما بين ماي ويونيو الماضيين، وهمت عينة تمثيلية شارك فيها 1312 مبحوثا موزعين على جميع جهات المملكة بشكل تمثيلي، وهي عينة متوزانة أيضا ما بين الذكور والإناث. وهي الدراسة التي أجريت في إطار برنامج جيل الذي أطقلته المؤسسة.