نسخة تجريبية

اللقاء الأول من خيارات وبدائل مجتمعية : احترام حرية الجسد حق كوني


بحضور فعاليات علمية، سياسية وحقوقية، مدنية ورسمية، احتضن فندق نوفوتيل بالمحمدية يومه السبت 22 أكتوبر اللقاء الأول من سلسلة " أوراق بحثية خيارات وبدائل مجتمعية ". وشهد اللقاء مشاركة لبنى الصغيري البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية والنائبة الأولى للجنة العدل والتشريع بالبرلمان المغربي كما عرف تقديم الصحفية والباحثة في برنامج جيل وفاء بلوى ورقة سياسات عادت فيها إلى النقاشات حول الحريات الفردية وحرية الجسد في علاقة بالقوانين المجرمة للوقف الطوعي للحمل. كما ساهم بمداخلة مصورة البروفيسور شفيق الشرايبي رئيس جمعية محاربة الإجهاض السري. وساهمت فاطمة إيكا عن منصات في التذكير بأهم نتائج الدراسة التي أعدتها المؤسسة السنة الماضية وخاصة تلك المرتبطة بحرية الجسد.

بلوى: حرية الجسد حق كوني ووظيفة القانون التلاؤم مع واقع متغير

 واستعرضت المشاركة في برنامج جيل نتائج ورقة سياسات: بعنوان: "الوقف الطوعي للحمل: بين حرية الجسد وإكراهات التشريع".  ومن خلال أرقام ومعطيات صادرة عن جهات رسمية ومدنية، ومقابلات مع نساء خضعن للإجهاض السري بفعل حمل غير مرغوب فيه، سعت الورقة إلى تسليط الضوء على الخطورة التي تنتج عن عدم تعديل القانون الجنائي المغربي الخاص بالوقف الطبي للخمل. وهدف التحليل الى إبراز التداعيات والمخاطر الناتجة عن تجريم الإجهاض في الفصول من 449 إلى 458 من القانون الجنائي المغربي. كما سعت الورقة إلى تبيان حجم الظاهرة وتناقضاتها. وبالرغم من عدم وجود معطيات وافية عن الموضوع، بالنظر إلى حساسيته، إلا أن الأرقام المتوصل إليها تكشف أن الإجهاض صار واقعا اجتماعيا مسكوتا عنه، بينما يظل القانون في تفاوت تام مع الظاهرة، مكتفيا بتجريمها رغم أن وظيفة القانون الأساسية التلاؤم مع المستجدات والوقائع الاجتماعية المتغيرة. واعتبرت أن الدفاع عن تكريس حرية الجسد حق كوني من حقوق الإنسان، واستعرضت عددا من التوصيات الهادفة إلى إلغاء بعض الفصول أو تعديلها كي لا تظل في تفاوت تام مع واقع اجتماعي متغير.

إيكا: قيم الجماعة تسحق الجسد الفردي للمرأة

وفي استعراضها لأهم نتائج البحث الكمي الذي أجرته المؤسسة في النسخة الأولى من جيل، تطرقت الباحثة فاطمة إيكا في مداخلتها إلى موضوع حرية الفرد والجسد كمسألة مرتبطة بشكل كبير بموضوع الإجهاض. ومن خلال جردها لبعض النتائج كشفت عن عدد من المفارقات حيث أن نسبة كبيرة من المستجوبين يتفقون مع حرية الجسد عامة، لكن وبمجرد تعلق الأمر بجسد المرأة يحضر تدخل الجماعة التي تجردها من هويتها واستقلاليتها كفرد وتحكم عليها من خلال قالب "العفة والشرف" وهو ما يشكل وصما اجتماعيا يدفع مثلا اللواتي تعرضن للاغتصاب أو لأي حمل غير مرغوب فيه إلى المخاطرة بحياتهن واللجوء إلى عمليات إجهاض مكلفة أو من خلال الاستعانة بأساليب تقليدية غير آمنة. وكشفت المتدخلة أن جسد المرأة في هذا المستوى، وبالرغم من كونه ملكية فردية للمرأة إلا أن المجتمع لا زال يعتبره مركز أخلاق الجماعة ورمز عفتها الذي لا يجب أن يمس بل يجب سحق هذا الجسد الانثوي في حالة تمرده على أخلاق الجماعة. وخلصت المداخلة إلى أن موضوع الإجهاض يتأرجح بين العديد من المفارقات والتناقضات، التي تمليها المواقف الدينية والاجتماعية والتشريعية.

الصغيري: الوقف الطبي للحمل عوض الإجهاض

وأوصت النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، والنائبة الأولى للجنة العدل والتشريع بالبحث عن الحلول الواقعية والمنطقية لمعضلة الإجهاض. وأضافت أن استعمال كلمة الإجهاض مصطلح "متشدد" وذو موروث تاريخي سلبي. ودعت بالمناسبة إلى ضرورة تعديله وتغييره إلى مصطلح الإيقاف الطبي للحمل، في انسجام تام مع الأخلاقيات البيو طبية. ودعت من جهة أخرى، إلى ضرورة الاجتهاد لوضع إطار قانوني لتفعيل الإيقاف الطبي للحمل عن طريق إخراجه من مجموعة القانون الجنائي، وجعله ضمن الأخلاقيات البيو طبية، والاشتغال على تقنين اللجوء إلى الوقف الطبي للحمل عبر استحداث سجل يوزع على جميع المؤسسات التي تقوم بهذا النوع من العمليات مع شرط كونها قانونية، ووضع نموذج للموافقة، وذلك للحد من سرية هذا الفعل. كما طالبت الصغيري، المحامية المقبولة لدى محكمة النقض بأن ينص القانون صراحة على الإيقاف الطبي للحمل لضحايا الاغتصاب، وزنا المحارم وذوات الأمراض العقلية خاصة وأن المرأة في هذه الحالات تكون هي الضحية وتتحمل وزر الاغتصاب والافتضاض والحمل وتبعات ذلك. 

وتوقفت ذات المتدخلة عند عدد من التناقضات التي تطبع التعامل مع الظاهرة. فهذه الأخيرة تثبتها الإحصائيات والواقع اليومي بشكل كبير غير أنها لا تزال تشكل طابو رغم أن المغرب قد قطع شوطا كبيرا، تقول الصغيري، فيما يخص التعامل مع هذه الظاهرة، وخاصة بفعل تدخل المجتمع المدني ومساهمة العديد من الجمعيات في التكفل بالضحايا. ويهم التناقض الثاني بداية دراسة الموضوع بتوصية ملكية والتي خلص إلى الحالات التي يمكن فيها السماح بالوقف الطبي للحمل، وعبرت النائبة البرلمانية عن استغرابها من تأخر دخول مشروع القانون إلى قبة البرلمان، رغم مرور سنوات على الموافقة عليه من قبل مجلس الحكومة، سنة 2015. أما التناقض الثالث، تضيف المتدخلة، فيتمثل في كوننا نملك دستورا متقدما، ولكن مازالت هنالك هوة بين النظري والتطبيقي وبين الواقع المعيشي المزري والأبراج العاجية، فالدستور جاء بمنظومة متكاملة للحقوق والحريات لإرساء دولة الحق والقانون، ويتضمن العديد من الفصول القانونية التي تدعم الحق في الحياة وعدم المس بالسلامة الجسدية، وتسهيل ولوج المواطنين إلى الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية، لكن هذا الأمر لا يوجد في الواقع. واعتبرت ذات التدخلة أن الإيقاف الطبي للحمل حماية للنساء والفتيات اليافعات من الحمل غير المرغوب فيه، والذي يتسبب في الهدر المدرسي وفي حدوث انحراف سلبي في مسار الحياة الاجتماعية والمدرسية والمهنية للفتاة، وهو ما يعكس واقع مجتمعي متناقض وغير متناغم، بينما يكفل الدستور الحق في حرية الجسد، ناهيك عن الاتفاقيات الموقعة من قبل المغرب والمتعلقة بحماية صحة المرأة والصحة الجنسية والانجابية وحماية حقوق النساء.

الشرايبي:  وقف الحمل سريا يسبب مضاعفات مميتة

ومن جهته استعرض البروفيسور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، في كلمة عن بعد، خصصها للمشاركين في الندوة، تطورات الملف والمراحل التي قطعها كما استعرض تعريفا لما سماه الحمل غير المرغوب فيه أو اللاإرادي. وأشار إلى أن التجريم يؤدي ارتفاع وتيرة الإجهاض السري في المغرب، بما يخلفه من مآسي وضحايا خاصة في صفوف الفئات المعوزة.  وأضاف أن اللجوء إلى الممارسات السرية لوقف الحمل يتسبب في مضاعفات صحية مميتة للفتيات والنساء، في محاولة للتخلص من حمل غير مرغوب فيه، في أوساط غير طبية ولا آمنة بسبب استهلاك مواد وأعشاب مسمومة لا تخلو من خطورة تهديد حياة الحامل، علما أن العجز عن التخلص من الحمل غير المرغوب فيه، يكون سببا لمحاولات الانتحار لدى بعض المعنيات، يضيف المتحدث.